تجربة كيت في الاقتراب من الموت
الصفحة الرئيسية تجارب حديثـــــة مشاركة تجربــــة




وصف التجربة:

ساعةُ التحوّل

بعد ساعةٍ أو ساعتين من تناولي تلك الأدوية، بدأ قلبي ينبض بإيقاعٍ غريب. شعرتُ بأن شيئًا ما لا يسير على ما يرام - كأنما تحوّلتُ إلى مرصدٍ لحربٍ تدورُ في أعماق جسدي. الآن أدركُ أن السبب كان تفاعلًا دوائيًّا خبيثًا، لكنّي في تلك اللحظة كنتُ غارقةً في دوّامةٍ من التشوّش الذهني. استلقيتُ على سريري محاولةً الإمساك بأهداب النوم، أتمنى لو يعود كل شيء إلى طبيعته.

الانفصالُ عن الجسد

هنا يصعبُ عليّ الوصف ... كأنما بدأ وعيي يتمدد خارج حدوده المعتادة، كبالونٍ ينتفخُ بلا توقف. كنتُ في آنٍ واحد داخل جسدي وخارجه، كأنما انقسمتُ إلى نسختين: واحدةٌ عالقةٌ في هذا القالب البشري البارد، وأخرى تحلّقُ في فضاءٍ لا نهائي. كان فراغًا مطلقًا، بلا معالم أو نقاط مرجعية. وفجأةً انسكبَت برودةٌ قاسيةٌ على جسدي، فتحوّل إلى مجرد آلةٍ معدنيةٍ خاوية. وأصبح تنفّسي ميكانيكيًّا، ثم ... توقّفتُ عن التنفس تمامًا. سمعتُ صوتَ رئتيّ -لم أشعر به- وهما تقاومان اليأس، لكنّي كنتُ بعيدةً جدًّا لأسيطر على الأمر. استمرّ قلبي بالخفقان بصوتٍ يعلو شيئًا فشيئًا، كطبلٍ يقرعُ نغمةَ الموت، حتى توقف فجأةً هو الآخر.

مملكةُ العدم

في اللحظة التي توقف فيها قلبي، تعمّق الفراغُ من حولي إلى ما لا نهاية. كأنما الكون كلّه انهار إلى داخل نفسه، تاركًا إياي وحدي في هذا الفراغ الأبدي. شعرتُ بأن الظلام على وشك أن ينقشع ليُظهر نورًا عظيمًا، لكن قبل ذلك ...

لقاءُ المصير

ظهر جدي الراحل، ليس كشبحٍ مرعب، بل كوجودٍ مضيءٍ يفيض حكمةً وحنانًا. لا أتذكر كل كلماته، لكنّي لن أنسى أبدًا ما قاله: «يمكنكِ العبور الآن إذا أردتِ، لكن اعلمي أن الضوء الذي تنتظرينه سيكون نقطة اللاعودة». كان صوته يحملُ نبأين: أحدهما عن حرّيتي في الاختيار، والآخر عن مهمتي غير المكتملة. أخبرني أن حياتي لم تنتهِ بعد، وأن هناك دروسًا عن الحبّ ما زالت تنتظرني. «عندما تتعلمين ما يكفي عن الحب، سيكون الوقت مناسبًا للرحيل»، هكذا ختم كلماته.

خمسُ هزائمَ للموت

لدي مرضٌ مزمنٌ يحاول قتلي منذ سنوات. في العام الماضي وحده، انتصرتُ على الموت خمس مرات: ثلاث مراتٍ كاد المرضُ ينهي حياتي، ومرةً حين دفعتني قوةٌ خفيةٌ بعيدًا عن سيارةٍ مسرعةٍ كادت تدهسني، ومرةً أخرى كدتُ أسقطُ من منحدرٍ سحيق. أخبرني جدي أن هذه لم تكن مصادفات، بل علاماتٌ على أن قدري لم يُكتَب بعد. «ما تتعلمينه في هذه الحياة مهمٌّ جدًّا»، قالها بنبرةٍ لا تقبل الجدل.

العودةُ القسرية

شعرتُ بدفعةٍ قويةٍ تعيدني إلى جسدي، كأنما سُحبتُ من شعري إلى عالم الأحياء. عدتُ أتنفسُ فجأةً، لكنّي كنتُ مثل دميةٍ مقطوعة الخيوط. حاولتُ النهوض لكن يديّ كانتا ثقيلتين كالرصاص. لا أعرف كم من الوقت ظللتُ على هذه الحال، لكنّي أذكر أن جسدي كان يبردُ بين الحين والآخر، وكأنما روحي تحاول الانفلات مرةً أخرى، لتعيدها قوةٌ خفيةٌ إلى الداخل.

الزائرون من العالم الآخر

في إحدى لحظات هذا اللاوعي، أحسستُ بوجودين آخرين. كان أحدهما أكثر وضوحًا من الآخر، وكأنه يحملُ طاقةً خاصة. فجأةً عرفتُ -لا أعلم كيف- أنهما شابان ماتا حديثًا في حادث سيارةٍ مروّع. تلقيتُ معلوماتٍ دقيقةً عن اسم أحدهما، ومكان حادثه، وتفاصيله الدقيقة. قال لي ما قاله جدي: إن دروس الحياة لم تكتمل بعد. وخلال كل هذا، شعرتُ أيضًا بوجود «ذاتي العليا»، ذلك الجزء الأسمى من روحي الذي يظهر فقط في أعمق لحظات الحب والاتصال الإنساني.

الصباحُ التالي

استيقظتُ بعد ساعاتٍ كأنما خرجتُ من حربٍ ضروس. لم يكن لدي أي أعراضٍ جانبيةٍ سوى صداعٍ مبرح وفقدانٍ مؤقتٍ للذاكرة القصيرة - ربما بسبب نقص الأكسجين وليس الأدوية نفسها. قضيتُ اليوم التالي في حالةٍ من الذهول، كأنما عقلي يحاولُ استيعاب ما حدث.

البحثُ عن الحقيقة

في البداية فكّرتُ في أنني أريدُ المضي قدمًا، لكنّي فيما بعد قررت البحث عن أخبار حوادث السيارات على الإنترنت. وخلال دقائق، وجدتُ صورة الشاب الذي رأيته! فاقشعر بدني عندما تطابق اسمه ومكان الحادث وتفاصيله مع كل ما عرفته في تلك الليلة. لم ألتق به في حياتي، لكنّي أشعرُ أن هناك حكمةً كونيةً وراء ظهوره. ومنذ ذلك الحين وأنا أشعرُ بوجوده معي، كمرشدٍ روحيٍّ خفيّ.

إرثُ التجربة

هذه التجربة لم تغيّر نظرتي إلى الموت فحسب، بل إلى الحياة أيضًا. صرت أكثر تصميمًا على إدارة مرضي، وأكثر شغفًا بالعيش بكل جوارحي. لأني الآن أعرفُ أن كل لحظة هي هبة، وأن كل درسٍ في الحب هو جوهرُ وجودنا.

معلومات أساسية:

الجنس: أنثى.

تاريخ حدوث التجربة: يوليو ٢٠١١.

عناصر التجربة:

هل صاحب تجربتك حدث مهدد للحياة؟ نعم. تفاعل بين الأدوية. موت سريري (توقف التنفس أو وظائف القلب أو الدماغ) بسبب رد فعل محتمل بين عدة أدوية، توقفت عن التنفس.

كيف تقيمين محتوى تجربتك؟ رائع.

هل شعرتِ بالانفصال عن جسدك؟ نعم. فقدت الوعي بجسدي.

كيف كان أعلى مستوى من الوعي والانتباه في أثناء التجربة مقارنة بالحالة الطبيعية؟ وعي وانتباه أعلى من المعتاد.

في أي وقت خلال التجربة وصلتِ إلى أعلى مستوى من الوعي؟ على الأرجح عندما توقفت عن التنفس وتواصلت مع جدي.

هل تسارعت أفكارك؟ بسرعة لا تصدق.

هل شعرتِ بأن الزمن يتسارع أو يتباطأ؟ بدا وكأن كل شيء يحدث في آن واحد، أو أن الزمن توقف أو فقد معناه. فقدت تمامًا الإحساس بالزمن. لم أعرف إذا كنت قد توقفت عن التنفس لثانية واحدة أو لخمس دقائق.

هل كانت حواسك أكثر حدة من المعتاد؟ أكثر حدة بشكل لا يصدق.

قارني بين رؤيتك في أثناء التجربة ورؤيتك الطبيعية قبلها؟ كأنك لم تعد بحاجة إلى الرؤية. كل شيء موجود حولك.

قارني بين سمعك في أثناء التجربة وسمعك الطبيعي قبلها؟ السمع لا يشبه السمع الجسدي. كل شيء يكون تخاطريًّا، لكني تعرفت على صوت جدي رغم أنني لم أسمعه منذ عشر سنوات.

هل شعرتِ بوعي بما يحدث في أماكن أخرى؟ نعم، وتم التحقق من الحقائق.

هل مررتِ بنفق؟ لا.

هل رأيتِ أي كائنات في تجربتك؟ رأيتهم بالفعل.

هل صادفتِ أو أدركتِ وجود أي كائنات متوفاة (أو على قيد الحياة)؟ نعم. تواصلت مع جدي وشعرت بوجود روحين آخرين توفيا حديثًا. أخبروني أن لدي المزيد لتعلمه في هذه الحياة عن الحب.

هل رأيتِ أو شعرتِ أنك محاطة بنور ساطع؟ نور واضح من أصل صوفي أو غير دنيوي.

هل رأيتِ نورًا غير أرضي؟ نعم. شعرت أن الفراغ الذي كنت فيه كان مثل ضباب كثيف وكان على وشك الانقسام، مثل ستائر المسرح، ليظهر نور ساطع لكني منعت من العبور.

هل شعرتِ وكأنكِ دخلتِ عالمًا آخر غير أرضي؟ عالم صوفي أو غير أرضي بوضوح. شعرت أنني أدخل أبعادًا خارج جسدي ومختلفة عن العالم المادي الذي نعرفه.

ما المشاعر التي شعرتِ بها في أثناء التجربة؟ بعد أن بدأت أفقد الوعي بجسدي، حتى عندما توقفت عن التنفس، كنت هادئة تمامًا. أجسادنا كثيفة جدًّا وبمجرد أن تبدأ في الخروج من جسدك تشعر بالخفة والحرية. لم أشعر بالذعر من أنني أموت. لكن بعد أن تواصل جدي معي، أدركت الأهمية العميقة لتقدمي الروحي ولأحبائي.

هل شعرتِ بالسلام أو الارتياح؟ راحة أو هدوء.

هل شعرتِ بالفرح؟ سعادة.

هل شعرتِ بالانسجام أو الوحدة مع الكون؟ شعرت بالاتحاد أو الوحدة مع العالم.

هل بدا أنكِ فجأة تفهمين كل شيء؟ كل شيء عن الكون.

هل عادت مشاهد من ماضيكِ إليكِ؟ تذكرت ماضيي بشكل لا إرادي. أخبرني جدي أنه في كل مرة من المرات الخمس التي كدت أموت فيها هذا العام، أنقذت لأنه لم يحن وقتي بعد.

هل ظهرت لكِ مشاهد من المستقبل؟ مشاهد من مستقبل العالم.

هل وصلتِ إلى حدود أو هيكل مادي محدد؟ نعم. منعني جدي من التحرك عبر الفراغ إلى النور. شعرت أنه إذا وصلت إلى النور لن أتمكن من العودة إلى جسدي.

هل وصلتِ إلى حدود أو نقطة اللاعودة؟ وصلت إلى حاجز لم يُسمح لي بتخطيه؛ أو أُرجعت رغمًا عني.

الله والروحانيات والدين:

ما كان دينكِ قبل التجربة؟ ليبرالية - لا شيء.

هل تغيرت ممارساتكِ الدينية منذ تجربتكِ؟ نعم.

ما دينكِ الآن؟ ليبرالية - لا شيء.

هل حدث تغيير في قيمكِ ومعتقداتكِ بسبب تجربتكِ؟ نعم.

هل شعرتِ بوجود كائن صوفي أو سمعتِ صوتًا غير محدد؟ صادفت كائنًا محددًا، أو سمعت صوتًا واضحًا من أصل صوفي أو غير أرضي.

هل رأيتِ أرواحًا متوفاة أو دينية؟ رأيتهم بالفعل.

بخصوص حياتنا الأرضية بخلاف الدين:

خلال تجربتكِ، هل اكتسبتِ معرفة أو معلومات خاصة عن هدفكِ؟ نعم. أجسادنا أوعية كثيفة تحوي أرواحنا. بمجرد أن نترك أجسادنا نتمدد وننضم مرة أخرى إلى شيء أكبر بكثير.

هل تغيرت علاقاتكِ على وجه التحديد بسبب تجربتكِ؟ نعم. أشعر أنها تغيرت للأفضل.

بعد تجربة الاقتراب من الموت:

هل كانت التجربة صعبة التعبير بالكلمات؟ نعم. كانت هذه التجربة بأكملها عميقة جدًّا لدرجة أنني أجد صعوبة حقيقية في وصفها.

هل لديكِ أي هبات نفسية أو غير عادية أو أي هبات خاصة أخرى بعد تجربتكِ والتي لم تكن لديكِ قبل التجربة؟ نعم. أصبحت قادرة على الاستمرار في التواصل تخاطريًّا مع مرشدي الروحيين.

هل يوجد جزء أو أجزاء من تجربتكِ ذات معنى أو أهمية خاصة لكِ؟ ذكرتني هذه التجربة أن الحب هو حقًّا مركز كل الوجود. الثابت الحقيقي الوحيد الذي يجعل كل لحظة في حياتنا مهمة. وهو سبب وجودنا هنا. مثلي مثل أي شخص آخر، مررت بالكثير من الألم في هذه الحياة، لكن في النهاية كل شيء سيكون على ما يرام.

هل سبق لكِ أن شاركتِ هذه التجربة مع الآخرين؟ نعم. الشخص الوحيد الذي شاركت هذه التجربة معه هو أختي، لأنها الشخص الوحيد الذي يمكنني مشاركة كل شيء معه. عندما بدأت الحديث عن الشعور بوجود الشابين، ظهر على وجهها تعبير مفاجأة ومعرفة، وذكرت -قبل أن أخبرها- مكان الحادث وظروفه، لقد عرفت بالضبط ما سأقوله.

هل كانت لديكِ أي معرفة بتجربة الاقتراب من الموت قبل تجربتكِ؟ نعم. عندما كنت مريضة منذ عام شعرت بنور ساطع وبأنني محاطة بالحب وتلقيت رؤى عميقة. ومنذ ذلك الحين وأنا مهتمة جدًّا بتجارب الاقتراب من الموت. أكدت هاتان التجربتان اعتقادي أن الموت هو مجرد انتقال وليس حدثًا نهائيًّا.

ما رأيكِ في واقعية تجربتكِ بعد فترة قصيرة (أيام إلى أسابيع) بعد حدوثها؟ كانت التجربة حقيقية بالتأكيد. كل ما حدث كان حقيقيًّا وكان له تأثير عميق عليّ.

ما رأيكِ في واقعية تجربتكِ الآن؟ كانت التجربة حقيقية بالتأكيد. لم تتغير ولن تتغير أبدًا حقيقة هذه التجربة وكذلك تجربتي الأولى في الاقتراب من الموت. لكن ما تغير هو طريقة عيش حياتي حيث رأيت تغيرات عميقة واكتسبت قدرة أكبر على حب الآخرين وأصبحت أكثر تعاطفًا وتسامحًا.

في أي وقت من حياتكِ، هل أعاد لكِ أي شيء إنتاج أي جزء من التجربة؟ لا.