تجربة دوان 406
|
وصف التجربة
النهر
الحياة بعد تجربة موت.
كتبت بواسطة دوان.
كان صباح يوم أثنين جميل ورائع من أيام شهر يوليو للعام 1990. كان يوم عطلة فلقد عملت في اليوم السابق بعد الظهر وكل الليل, فقررت الخروج مع بناتي ومع الأولاد اللذين يعيشون في الحي مع احد ابويهم فقط. كنا نسكن حي جميل والحياة فيها تعتبر رتيبة في ذلك اليوم لم ينتشر الأولاد مع دراجاتهم ولم يكن هنالك أناس يتمشون مسافات طويلة. كان يوما ساخنا ولو حدث أي تصويت لفازت المعارضة به.
بدأت أجمع الأغراض التي ساخذها معي, تذكرت أن جارتي أشترت سترة الإنقاذ, وعرضتها علي, فقلت لنفسي يجب ألا آخذها خوفا من أن تتسخ أو أن تنخدش. ثلاث ساعات ستة أطفال وقاربين أفرغنا فيهما حمولة السيارة التي كانت لأمي, والأربع فتيات الصغيرات كانت أثنتان منهما هما بناتي أتتا معي إلى قارب فيه جاري وابنه البالغ من العمر سبعة عشر عاما. وشقيقه الأصغر.
ذهبنا إلى أسفل النهر وأبتدأت المغامرة. كانت هنالك برودة في الجوب في الصباح الباكر إلا أن الجو يختلف ظهرا حيث يصبح حارا. الماء كانت ملجأ من تلك البرودة. كنا خمسة في المركب المكبير وكانت له أربعة مجاذيف قط. جلست في المقدمة وأمسكت بالمجاذيف وأما البنات فلقد جلسن خلفي على الجوانب وأمسكت كل واحدة منهما بمجذاف. دخلنا بسرعة إلى التيار الرئيسي. أخرجت قدماي وبللتهما في الماء وقلت مسرورا هكذا تكون الحياة. ما أن التففنا حول أول منعطف في النهر حتى أزدادت سرعة القارب. جعلني ذلك أسقط إلى الخلف على أرضية القارب. جعل ذلك الفتيات يحاولن أن يناورن كي يتوازن المركب. أبدتا الفتاتين أداءا حسنا أول ساعتين في النهر وأستمررت بالجلوس على مقدمة المركب. وقعت مرة أخرى ووصلنا إلى أسوأ مقطع في النهر.
البداية كانت في الماء, كان سريع وغاضب, فجأة أصطدم القارب بصخرة موجودة تحت الماء وذلك في أعنف جزء من النهر وهذا جعلني أتمنى ألا أصاب من الصخور في النهر. أنزلقت بسرعة تحت الماء أنقلبت على ظهري وحاولت الصعود إلى الأعلى. أصبح القارب بعيدا عني عدة ياردات, المياه عميقة وتسحبني إلى أعلى الجدول, أصبحت في أعلى حالة ذهنية بالرغم من أنني لم أنم منذ أربع وعشرين ساعة. أدركت أن تحرك التيار ليس جيدا لي, أستطعت أن أسحب نفسا قبل أن يسحبني التيار إلى الأسفل. الماء الهادر منعني من الوصول إلى السطح. أصطدمت بصخرة من تحتي بحجم سيارة, أدركت لحظتها مدى الخطر, بدوت عاجزا, بدأت أفقد قواي, جاهدت للوصول إلى السطح كي أسحب نفسا.
قلت لنفسي أستطيع أن أنجو لو بذلت جهدا وبدأت أشعر أنني في ظلام. ولكن مع فكرة واحدة, فجأة أصبح كل شيء هادئ وشعرت بسلام وأتتني فكرة هي أنه لا مانع من التخلي عن الحياة. كنت أعمل في ثلاث أماكن عمل وكنت أنام فقط أربع أو خمس ساعات في الليلة وهكذا خمسة أبام في الأسبوع. فلم آسف كثيرا على حياتي.
ثم وكأنني طفل صغير وكأن أبي كان إلى جانبي فسحبني من ملابسي فأصبح رأسي فوق الماء.
شعرت بأشعة الشمس الساطعة تلفح وجهي, وكان هنالك نسيم لطيف ينعش أفكاري. أنتبهت إلى صوت أتى من يساري فطان صوت حفيف أوراق شجرة جمبلة ركزت عليها فشعرت وكأنها جزءا مني أو أنها أنا بالذات فالجذع هو جذعي والأوراق هي أصابعي.
أصبحت حواسي كلها رقيقة ورأيت الألوان أبهى وأكثر رونقا, وشعرت برذاذ خفيف على جلدي. لقد كان إحساسا رائعا. سمعت صوت طائر يغرد بلحن جميل جدا لم أستطع رؤيته ولكني عرفت انه موجود في الشجرة. كان يبدو سعيدا جدا لوجوده في ذلك المكان الرائع وأنتفلت سعادته لي فشعرت بسعادة عظيمة.
بالرغم من أن كل ما كان يحدث حولي وعلى يميني ويسلاري وخلفي إلا أنه لم يتوجب علي الألتفات كي أرى ذلك, فلقد كنت أرى كل ما حولي بدرجة ثلاثمائة وستين درجة مباشرة.
وأنا في أعلى درجات الدهشة أتاني صوت ’ سألني الصوت ماذا تريد أن تفعل, أنتبهت إلى ذلك الصوت كانت أبنتي الصغرى قد خرجت من الماء على بعد حوالي خمسة وسبعين ياردة من إتجاه مجرى النهر بالقرب من القارب.
أما أبنتي الكبرى فلقد كانت قد مشت حوالي ثلاثين أو أربعين ياردة بإتجاه الضفة الصخرية للنهر. وأما انا فلقد كان جسدي هنالك بدون حياة فلقد كانت الحياة وكانها حلم قديم . أصبح وضع ما بعد الحياة هو الجزء الأهم. لم تكن هنالك مشاعر أي ألم أو أي حزن بل فقط سلام ومحبة لم أعهدهما من قبل.
بعد هذه المعلومات التي كونتها من الواقع الجديد عدت إلى ذلك السؤال من جديد.
كانت أبنتي الكبرى ترشد الأولاد الأكبر إلى مكان وجود جثتي.
وكأن شخصا ما قد أخذني وألقاني داخلها. أصبحت داخلها لدرجة أنني رأيت بأعينها وسمعت بأذنيها. ولكني كنت كمتفرج ومشاهد فقط في عالمها.
الوجه صاحب الأثنا عشر ربيعا كان هادئا ومنطقيا مثل أي شخصا كبير يجب أن بكون.
أختي الآن بخير. هي أيضا وقعت من المركب وكانت في التيار ولكن بما أنها ترتدي سترة نجاة فلقد كانت بأمان. وكانت الفتيات الآخريات بخير أيضا. يتوجب علي أنقاذ والدي هكذا كانت تفكر.
ما أن تعرفت على بناتي حتى عدت مجددا فوق الماء في نفس البقعة وأتاني صوتا قائلا ماذا تريد ان تفعل. أجبت فهمت علي الأختيار ما بين الحياة التي كانت لي وما بين الحياة السماوية مع الله.
الله المحب الذي يذكرني حبه بحضن أمي وانا صغير, كان حب الله قويا وغامرا ومرفها.
كان الخيار بيدي. علي ترجيح خيار عن الآخر. وكان إحتياج بناتي لي. كم كنت أحبهم, قررت العودة للحياة من أجل بناتي كي أعتني بهن وكي أمنحهم أفضل تربية.
قرار العودة أبلغته لله الذي كان موجودا بالرغم من أنه كان غير مرئي. قلت أريد العودة وقبل الله قراري. قال لي يجب عليك أن تمنح كل مالديك. يختلف معنى كل مالديك عن المعنى المألوف. أعطاني الله المعرفة وأعادني إلى جسدي. المعرفة طبعت في عقلي. ووجدت نفسي في الماء أكافح ولكن هذه المرة منحني الله القوة قوة قطار. وأستطعت بتلك القوة من الوصول إلى السطح, وما أن وصلت حتى زفرت كل الهواء من رئتي وسحبت نفسا عميقا جديدا في الحياة الجديدة.
تضررت رئتاي بسبب الغرق, في مرحلة ما فقدت الرغبة في المقاومة وكان صراخي ياتي همسا ليس إلا . كان هنالك طوف الشبان ومع عدة ضربات بمجاذيفهم وصلوا إلي. الأمساك بحبل من ذلك الطوف والتسلق عليه كان يتطلب الكثير من الطاقة. أمسكت بالحبل وسبحت إلى جانب الطوف وصولا إلى الشاطئ.
كانت رحلتي سلمية رأيت فيها الغزلان وحيوانات برية أخرى على الضفة. المهم وصلت أخيرا إلى البيت وكانت أمي قلقة علي. كنت في فترة تجريبية في عملي وعلى ذلك كان يتوجب علي الحضور إلى العمل في اليوم التالي. عملت وكانت الآلام المبرحة تعصف بي . بعد عدة أيام تلاشى الألم وأصبحت أملك معرفة جيدة وبقيت مع بناتي أراقبهن وهن يكبرن .
انا أشهد على حقيقة هذه التجربة. واللذين كانوا معي في النهر يعلمون مصداقية تجربتي والله نفسه يعلم ويشهد عليها. الله يحبنا وعيا وأدراكا على عيوبنا وهو يحب كل المخلوقات حتى أصغرها.
شيء جميل هو التصرف وفقا لرغبتنا . أنا أشكر الله وأحمده على خلقنا وعلى إيجادنا في هذه الدنيا. وعلى حبه وأحترامه وعطفه علينا.
نقلها للعربية:
بهجت حسان. غزة / فلسطين