تجربة فرانك س، في الاقتراب من الموت
|
وصف التجربة:
لأكون صادقًا معكم، كنت شخصًا فظًا في تعاملي مع الناس وشاب ثري يعمل بصحيفة كبيرة رئيسًا لوحدة الكمبيوتر فيها، كانت زوجتي حاملاً بابننا الثالث، وكنت في ذلك اليوم خارج المكتب بعد انتهاء العمل مع أصدقائي، جلست للاسترخاء معهم عدة ساعات ثم ذهبت إلى مطعم بيتزا، رأيت عمي وعمتي هناك ودعوت نفسي للجلوس معهم وطلبت بيتزا وزجاجة بيرة، أردت أن أقول بأنني لست مهذبًا في التعامل مع الناس، أؤذي الناس عمدًا وأضايقهم كيدًا ولا أستمع إلى أي نصح، لا أذهب إلى الكنيسة، وفي الحقيقة كنت لا أؤمن بأي دين رغم نشأتي في عائلة كاثوليكية. وتغير كل ذلك بسبب القصة التي سأرويها لكم هنا:
تناولت معهما بيتزا ساخنة للغاية ابتلعتها بسرعة وشربت بعدها كأسًا من البيرة، وغادرت المطعم باتجاه موقف السيارات لأذهب إلى العمل وآخذ دشًا وأواصل ورديتي الثانية. قدت سيارتي الجديدة ووصلت إلى مكان العمل وسألت نفسي إذا ما كان يمكنني أخذ ساعة للنوم داخل السيارة، وهذا ما فعلته، ثم أحسست بقوة هائلة وبإحساس غريب لم أحسه من قبل، إحساس مريح لم أرده أن ينتهي، إحساس جميل جدًا.. وفجأة كنت أنظر نحو الأسفل إلى جسدي، كنت أعلى سطح السيارة ونظرت إلى جسدي وأنا غير مصدق وفكرت في أن هذا شيئًا غريبًا جدًا، أنا جسد كامل أنظر إلى جسدي الكامل تحتي..
وبعد مضي دقائق قليلة، أتى حارس الأمن وفتح باب السيارة ووضع أذنه على صدري ليسمع دقات قلبي، ومد يده ممسكًا برسغي ثم عنقي، ثم قفز مرعوبًا.. وأنا الآن أراقبه وهو يجري داخل المبنى ويعود ومعه مديري ومدير الدوام التالي، أنا وصلت إلى العمل قبل ساعتين وقبل مجيء أي أحد ورغم هذا أشعر وكأن هذا الحدث وقع قبل ساعات طويلة، كان الجو باردًا جدًا في الخارج.
قام المدير بالكشف على عنقي وصدري، ورأيته يخبر الحارس ورئيسي بأن إنقاذي متأخر جدًا.. وبدؤوا جميعًا في البكاء وسقطوا على الأرض.. وفي تلك اللحظة ارتفع جسدي الثاني وصعد بسرعة أعلى السيارة وتحرك أسرع وأسرع بعيدًا عن السيارة حتى رأيت موقف السيارات كله من أعلى، وما زال يسرع ويسرع والشوارع تبدو من تحتي أصغر وأصغر، حتى استطعت أن أرى أنوار المدينة تبدو صغيرة، كنت أشبه ما أكون راكبًا في طائرة عالية، وواصلت في السرعة مرتفعًا إلى أعلى حتى رأيت اليابسة والماء على كوكب الأرض، ثم الكواكب تلمع من بعيد وأنا أطير بسرعة رهيبة..
لم أستطع فعل شيء لأوقف هذه السرعة، ورأيت كوكب الأرض أصغر وأصغر ثم أحاطني ظلام شديد، ثم كان هناك نورًا بدأ صغيرًا جدًا، ثم أحاطني هذا النور.. كان نورًا أبيضًا لامعًا، وكأنني لم أر بياضًا في حياتي، دافئًا جدًا، ومبعثًا للراحة، وبصراحة لا كلمات تستطيع وصف هذا الإحساس. كنت أنظر حولي وفجأة رأيت شكل امرأة، كانت تبدو وكأنها تسبح في الفضاء باتجاهي، وعندما نظرت إليها عرفتها فقد كانت صديقة للعائلة، توفيت رغم صغر سنها منذ سنوات، كانت مرتدية شيئًا أبيض اللون، لم أفكر بها مطلقًا منذ وفاتها، ولكن أذكر أنه كانت لديّ مشاعر إعجاب تجاهها حيث كانت فتاة جميلة ولطيفة، حاولت أن أحضنها وأقبلها وعندها برز ملاكان شقراوتان كانتا أجمل امرأتين أراهما في حياتي بشعر ذهبي طويل ووقفتا أمامي، كان لكليهما جناحان من الريش، وترتديان ثيابًا بيضاء ويحيط بهما نور ألمع من النور الذي رأيته. أردت أن أقبّل صديقتي مرة ثانية ولكنها تحولت فجأة إلى امرأة عجوز بتجاعيد تملأ وجهها ثم إلى عظام ثم إلى تراب واختفت. ارتعبت بشدة وتأسفت لاختفاء صديقتي العزيزة، أخذتاني الملكان بين يديهما، بدأت في البكاء ثم دفعتاني إلى الأمام واختفتا.. طرت بسرعة كبيرة جدًا مرة ثانية خلال هذا البياض حتى بدأت أرى برقًا وغيومًا كثيفة، تحول اللون الأبيض بسرعة إلى أسود، وأنا أطير خلال قمم جبلية، جبال سوداء كالفحم عديدة لا يمكن حصرها، أطير فوقها بسرعة شديدة وغير متحكم في جسدي حتى اقتربت من الجبال أكثر وأكثر، ورأيت كأنني سأرتطم بها، وأصبحت الجبال وكأنها دخان أسود تصعد من أعلاه ألسنة لهب برتقالية اللون شفافة، أبطأت حركتي وبدا وكأنني استعدت تحكمي في الاتجاه الذي أريده، أردت أن أذهب بعيدًا عن ألسنة اللهب، وجبال الدخان، فاستطعت أن أصعد أعلى السواد وأنظر أسفل مني ورأيت بحيرة زيتية سوداء يحيط بها اللهيب، وكانت ألسنة اللهب في كل مكان أذهب إليه، وبدأت أبتعد عنها ببطء، وشعرت بخوف شديد.. وبدأت في الصعود حتى اختفت ألسنة اللهب، لم أشعر بحرارة ما ولم أشتعل، أنا الآن في ظلام كامل، سواد حالك. أردت أن أبحث عن شيء أمسك به ولكن لا جدوى. شعرت بأمان وسلام، ثم فجأة بدأ شيء صغير يقترب مني، بدا وكأنه دودة صغيرة أو ثعبان يزحف باتجاهي، فكرت في أن هذا شيء مضحك وبدأت في الضحك، وفجأة وفي غمضة عين كنت وجهًا لوجه أمام كائن مسخ ضخم، كان يحاول أن يلتهمني وشعرت برعب لم أشعر به في حياتي، رفعني المخلوق المسخ بفكيه وأخذ يبتلعني ويبتلعني، حاولت أن أقاوم ولكن لم أستطع أن أوقفه عن ابتلاعي، كنت أهتز بشدة وأصرخ بغير وعيّ وأنتحب وأتوسل. كنت أؤكل أكثر وأكثر وأذهب إلى معدة هذا المخلوق القبيح ثم يتبرزني بعد وقت، ورأيت مخلوقين آخرين كل منهما أكثر وحشية وأبشع منظرًا من الآخر، وبدأ أحدهما يأكلني ببطء أحسست كأنها سنوات تمضي. وفي النهاية استسلمت لهما، كانت تلك المخلوقات تشبه التنين الصيني ولكنها أبشع منه مليون مرة. كنت أشعر بألم فظيع وهما يأكلاني، ورغم الرعب الكبير الذي حلّ بي ورغم مضغهما لي بطريقة مؤلمة للغاية لم أفقد وعيي أبدًا، ولم أستطع أن أغلق عينيّ، كان الرعب! لا يوصف! التعاليم الصينية تقول بأن التنين رمز للخطيئة. سبعة خطايا قاتلة، أنا أعترف بأنني قمت بارتكاب ثلاث خطايا منها في حياتي الماضية وعندما استسلمت لهما استمرا في أكلي وبلعي مرات ومرات، لم يتوقفا أبدًا، كنت أرى نفسي في قطع صغيرة للغاية لا يمكن أن يكون هناك أصغر منها، ولكن فجأة يكتمل جسدي مرة أخرى ثم يبدآن في أكلي وهكذا..
توسلت إليهم، واسترحمتهم وصرخت طالبًا النجدة أو المساعدة، ولكن لا شيء، ناديت الرب، النبي عيسى، ولكن لا أحد ليساعدني، وبعد أن توقف الهجوم عليّ بعد مرور سنوات كما شعرت، غادرتهم لأسبح وأراقب هذه الوحوش الضخمة تأكل بعضها البعض في معركة شرسة ثم اختفوا جميعًا.. تركوني في إحساس فراغ وعدم مرعب أنتحب بشدة وأشعر بأنني شخص كريه وسيئ للغاية بشعور لم أحسه من قبل في حياتي.. ثم أعطيت لي القدرة على التحكم في تحركي مرة أخرى، وأتتني حقيقة بأن الله قد أنجاني من تلك الوحوش الضارية، كان لديّ إحساس، حاسة بشيء يعرف كل فكرة لديّ، بدأت في التحرك في أي اتجاه أرغب فيه، وبدأت في التحرك إلى الأمام وإلى أعلى ولكن دون أن يخبرني أحد حيث كانت الظلمات تحيطني، ثم رأيت الجبال السوداء مرة أخرى وبحيرة اللهيب تخرج منها أمواج أشبه بالنفط ونار برتقالية تحيط بكل شيء، تحركت أعلى الجبال التي تخرج منها حمم وفقاقيع حمراء.. وأثناء تحليقي فوقها رأيت شيئًا أشبه بطلوع الشمس، فاتجهت إليه، وبسرعة تم سحبي إلى تلك المنطقة السوداء، فقاومت لأعرف ماذا يحدث هنا، فتم قذفي إلى أرض لامعة بسطح رخامي، وعندما رفعت رأسي رأيت قاعدة لعمود ضخم جدًا يرتفع إلى أعلى، حيث لم أستطع أن أرى نهايته، وقفت على قدميّ وتحركت بعيدًا ورأيت عددًا من الأعمدة المتراصة في صفوف طويلة، وكان هناك عمودين في غاية الضخامة وبينهما كرسي عظيم أو عرش من مادة غريبة، وبينما كنت مركزًا تفكيري فيها لمعرفتها، تحركت إلى ما اعتقدته نورًا عظيمًا في مركز المكان، وإذا ما حاولت أن أصف ضخامة المكان لما استطعت ذلك أبدًا..
خلف العرش كان هناك نور مشرق، وعندما قاومت لألقي نظرة على هذا النور استطعت أن أرى مدينة كبيرة لامعة وشكلها دافئ فحاولت أن أتحرك تجاهها ولم أستطع، وفجأة سمعت صوتًا عاليًا جدًا يقول: "ما هي الحسنات التي فعلتها في حياتك؟ وكم عدد الذين قمت بمساعدتهم فيها؟".. كان جسدي يرتجف بشدة مع كل كلمة أسمعها، ثم نظرت إلى أعلى وما زلت محاطًا بالنور، ورأيت الكائن الذي يخاطبني وما زال الإحساس بالدفء يملأني، حاولت أن أحتضن هذا الكائن وأشكره، ولكنه لم يبادلني تلك الأفعال.
بدأت أسأل هذا الكائن الضخم أسئلة دون أن أحرك شفتيّ، ولم يكن هو يحرك شفتيه أيضًا ورغم ذلك كنا نتحدث، ثم بدأت أصبح أصغر وأصغر حتى صرت في حجم ذرة تراب صغيرة. خفت أن يقوم الكائن الضخم بتحريك الهواء فأكون مفقودًا بعد أن أصبحت ذرة صغيرة. نظرت إلى أعلى لأتمعن في هذا الكائن فرأيت شخصًا وسيمًا جدًا ملتحيًا وشعره طويل، وأقول هنا بأنه يشبه صورة المسيح عليه السلام، وأعتقد جازمًا أنه هو. ثم بدأ كل شيء منذ لحظة ولادتي إلى اللحظة التي أوقفت فيها سيارتي بموقف السيارات كانت قصة حياتي تمر بسرعة أشبه بالفلاش أمامي، رأيت وجه أمي وأبي السعيدين بولادتي، رأيت احتفالاتنا بالكريسماس وأعياد ميلاد أفراد الأسرة، أخبركم أن أي لحظة في حياتي تم استرجاعها في ما يبدو ثوان قصيرة، أنا الآن مرتبك جدًا، ولكني أعلم تمامًا أنه لم يكن حلمًا..
وبدأت أواجه الحقيقة التي أحاطتني وهي أنني سأحاسب وسيحكم على أعمالي وعلى كل ثانية مرت من حياتي، كل حسنة وكل سيئة ارتكبتها، وأعلم أن السيئات تملأ حياتي الماضية. وكان الكائن في حجمي تقريبًا ولكن أطول أي في مستوى أستطيع أن أنظر إليه، وتحدثنا في ما يبدو ساعات طويلة، وتناقشنا في كل لحظة من حياتي وهي تعرض على عقلي، رأيت صورًا لي والسيئات التي ارتكبتها، فكان يريد أن يعرف لماذا فعلت كذا؟ وكذا؟ ولماذا اخترت فعل كذا؟ فعلمت بأنني في طريقي إلى الجحيم بسبب أفعالي، كنت أناقشه محاولاً أن أوضح له الأسباب وفي كل مرة كنت أتقدم بعذر ضعيف واه. فكان ينمو في حجمه أكبر وأكبر، وأنا لا أزيد عن حجم ذرة صغيرة. وكل مرة يزداد هو حجمًا وأزداد أنا صغرًا، كان يسألني عن كل حدث بحياتي. لقد جعلته يجن غضبًا بأفعالي فارتفع صوته حتى اهتز المكان، كان يكبر ويكبر ويصرخ أعلى وأعلى، حتى أنني لم أستطع تقديم أي دفاعات لأفعالي، بسبب أنني لم أستطع أو دعوني أقول أنه لم تكن هناك دفاعات أو مبررات لأفعالي. ذهلت وأصبحت بلا عون، واستسلمت لقدري الذي عرفت أنه سيكون أسوأ من مواجهة تلك المخلوقات البشعة، وبالسرعة التي أتيت بها إلى هذا المكان الضخم رجع هو إلى العرش العظيم بين الأعمدة الضخمة وكان ينظر أمامه فقط.
لم يجب على أي سؤال، ولكن ظل يطرح عليّ أسئلة يريد مني أن أوضح أفعالي، والتي ليس لها مبرر وكان يعلم بذلك حتى قبل أن أجيبه، وينتقل إلى السؤال التالي عن حدث يتم استرجاعه لي وكأنه يحدث أمامي حقيقة، كنت أكره نفسي بسبب كل ما فعلت، وبدأت أطلب منه أن يعطيني فرصة أخرى، توسلت إليه واستعطفته ولم يحدث شيء. فكرت في زوجتي الحامل وابني الذي لم يولد بعد وأبنائي الآخرين، توسلت إليه أن يعيدني إليهم إنهم يحتاجونني لماذا لم يضعهم في الاعتبار إنهم يحتاجونني. ووعدته أن أنشئهم بأخلاق عالية ويكونوا رجالاً صالحين، رجوته مرات ومرات لأرى أبنائي وزوجتي، وقف ساكنًا ولم يجبني وبدا وكأنه كان يعرف ما سأقوله لاحقًا ولكنه لم يتحدث معي.
ازددت غضبًا وسألته لماذا أعاقب بذكرياتي الخاصة وعقلي، فحقيقة أن لديّ ذاكرة وأن أظل هناك على ندم الذكريات هي عقاب شديد في حد ذاته، وأنني فقدت حياتي بلا عودة، وفي تلك اللحظة تذكرت حقيقة ما زلت أرددها في ذاكرتي وهي أن رجلاً غريبًا كان قد آذاني عندما كنت طفلاً صغيرًا وكيف أن تلك الحادثة قد غيرت مسلكي تجاه كل شيء، كيف سمح لذلك أن يحدث؟ فكان الصمت جوابي، أنا الآن تائه كلية، وأعلم بأنني تحدثت بكلمات لا يجب أن أقولها، وأن الصمت كان عقابًا لي، جثوت على الأرض وانتحبت بشدة أطلب منه المغفرة والتوبة مرات ومرات..
نظرت خلال دموعي لأراه يقف أمامي مع نور يقترب أكثر وأكثر من بين كتفيه، كنت أشعر بأنني الآن في حضور الرب العظيم، ليس هناك أي شكل أو أي وصف أستطيع إعطائه لكم يفي بما رأيته، وعندما نظرت أعلى إلى النور أخبرت من صوت أشبه بالرعد أن أوقف انحناء رأسي وظللت مركزًا على الأرض أرى انعكاس النور عليها، وبسبب الخوف من ذلك الانعكاس أغلقت عينيّ بإحكام وكان النور يلمع بالرغم من ذلك، أستطيع أن أشعر به وأراه!.. كان النور أبيضًا ناصعًا وفي الحقيقة أن أسميه بالبياض فلا يفي ذلك بالوصف الكامل، إحساس بالدفء غطاني وسألته وألححت عليه مرات ومرات لأن يعيدني لزوجتي وأبنائي وسأكون رجلاً صالحًا وأساعد الناس من حولي.
قمنا بحوار شخصي جدًا وبسرعة أعطاني ما طلبته، وعلى الرغم من أني طلبت منه فرصة لأفعل أشياءً وأعتقد أنني تحصلت عليها إلا أنني حزنت جدًا لما يحدث في العالم اليوم، ولأجل هذا السبب أخبركم هنا بأننا كلنا طيبين في دواخلنا.
وفي تلك اللحظة بالتحديد كنت عائدًا أنظر إلى جسدي، وفي تلك اللحظة رأيت مديري يضرب على صدري ويبكي وينتحب ويصرخ لماذا؟ لماذا؟، ثم ذهب بعيدًا وقام المدير المناوب الآخر بإمساكه بين يديه، سمعته يقول أثناء بكاءه: "إن لديه زوجة حامل وأطفال صغار." ورأيتهم كلهم يبكون لأجلي فتألمت جدًا..
ولكن لا زلت فوق جسدي ثم فجأة، مديري ومعه الآخر أتيا وانحنيا باتجاه جسدي الميت بلا حراك، فتح فمي وأدخل إصبعه داخل فمي وتوقف ثم أعاده ثانية. وفي هذه المرة أدخله عميقًا ولكنه لم يستطع أن يصل إلى الانسداد، فغضب كثيرًا وبدأ في ضربي أقسى وأقسى، ثم وبغير سبب نفخ على فمي وبينما كان يفعل ذلك قال له الحارس: انس ذلك، لقد فات الأوان على كل حال، ولكنه استمر وجذب الانسداد، ورغم ذلك لم يستطع إعادة التنفس إليّ فغادرني الحارس والمدير المناوب ليتصلا بالإسعاف، ووقف مديري الآخر بالقرب مني، وفي تلك اللحظة شعرت بضربة شديدة وألم فظيع. وفجأة كان المدير في غاية السعادة ويضحك بهستيريا وينادي على الحارس الذي ابتعد مئات الياردات بأن يأتي، فجاء مهرولاً، لقد عاد إليّ التنفس وأخبر الحارس الذي كان مندهشًا للغاية بأن يبقى معي وذهب هو لإحضار الإسعاف.
كانت تلك هي البداية.
هل تغيرت حياتي؟ بالتأكيد.
أريد أن أقول أن أهم تغيير حدث لي هو أنني بت لا أخشى الموت أو الاحتضار، ومن الغريب أن أقول بأنني أنتظره، بسبب مشاعر السعادة والمحبة والمتعة. لم تكن تجربتي أبدًا تشبه ما أحسست به مسبقًا في حياتي. وهذا هو السبب في أنني أبحث عن معلومات عن الأحلام التي أراها والتي تصبح حقيقة، إنها تحدث معي مرات ومرات، فقد حلمت في أحدها بأنني مت، وأرى أن الوقت قد أزف للرحيل. أريد أن يعرف الناس أن هذا العالم الذي نعيشه ما هو إلا محطة للتوقف، وأنه يحكم علينا بأفعالنا التي نقوم بها هنا على ظهر هذا الكوكب الرخامي الأزرق الذي نسميه بالأرض.
ومن بعض الأشياء التى تغيرت هي النور الذي يبرق بغير سبب (يعمل ويتوقف) عندما أتحدث عن أناس ميتين، وتتوقف لعب الأطفال الكهربائية لغير ما سبب، والعلم بما سيقوله الناس فور أن يبدؤوا الحديث، أعلمه كلمة بكلمة ودائمًا ما أختم عباراتهم حتى بعد كلمات صغيرة.
أصبحت ناسكًا متفرغًا للعبادة، أستطيع أن أنظر إلى عينيّ أحدهم وأقول ما إذا كان شخصًا جيدًا أم سيئًا. ولكن أرى أن أهم شيء هو الأحلام التي تتحقق وأخبرت بذلك أسرتي وأصدقائي منذ سنوات وكانوا يخافونني فهل ما أشعر به هو بسبب تديني أم هبة شخصية.
خلال السنوات التي تلت تلك الحادثة كانت زوجتي هي الدعم لي، وكنت أشاركها في كل شيء يرد إليّ، وكانت تدرك أن الله حباني بتلك الهبة. أنا الآن أعيش حياتي بطريقة مختلفة تمامًا عما سبق، أحاول أن أكون صادقًا لا أكذب أبدًا مهما كانت الأسباب وهذا ما يسبب لي المشكلات، لا أرغب في شيء ولا أخاف شيئًا، ولديّ رغبة عارمة في أن أقدم المساعدة إلى الناس من غير ثمن فقط عبارة "شكرًا لك".
المال، والماديات أشياء تعني لي القليل. أريد أن أكتشف إمكانية التحكم أو فهم تلك الأحلام أكثر بسبب زيادة تكرارها وتركزها، وأرى الآن أنه يجب أن أشرك الناس فيها وأقوم بتسجيلها.. بعضها محاط بغيوم سوداء وهى تعبير عن أشياء سيئة حدثت لي بعد ذلك، والأخرى بغيوم بيضاء لأحداث حسنة وبالطبع وقعت لي!.