مقالة الدكتور ميلفن موريس.
|
مقالة الدكتور ميلفن موريس
مقالة الدكتور ميلفن موريس [١]
هل تجارب الاقتراب من الموت حقيقية؟
نعم إنها حقيقية.
دكتور ميلفن موريس.
يبلغ الفتى (كريس Chris) الثامنة من العمر، وكان على وشك الموت غرقًا هو وعائلته، عندما خرجت سيارتهم عن مسارها فوق الجسر لتسقط في النهر القريب من مدينة (سياتل)، حيث كان ماء النهر يكاد يبلغ درجة التجمد.
علق والده داخل السيارة ومات، وخرجت أمه وأخيه بأعجوبة من السيارة واستطاعا بلوغ شاطئ النهر. تمكن عابر سبيل من إنقاذ (كريس Chris) وحمل جسمه المنهك خارج النهر، حيث نقل بطائرة مروحية إلى أقرب مشفى فتمكنوا من إنقاذه نهاية الأمر.
سأنقل لكم تجربته كما رواها هو بلغته الخاصة:
"في البدء امتلأت السيارة بالماء، ومن ثم شعرت بأني قد انفصلت عن كل شيء، لأموت بعد ذلك حيث دخلت في معكرونة ضخمة، رغم أنها لم تكن تشبه المعكرونة الحلزونية، لقد كانت معكرونة مستقيمة.
عندما أخبرت أمي عنها، قلت لها أنها كانت معكرونة، إلا أنها كانت في الحقيقة نفقًا وليست معكرونة لأني رأيت فيها قوس قزح والمعكرونة لا يوجد فيها قوس قزح.
دفعتني الرياح داخل النفق وتمكنت من العوم في الهواء، فرأيت بعد ذلك أن النفق قد تفرع إلى اتجاهين، أحدهما للإنسان والآخر للحيوان.
ذهبت في البداية إلى نفق الحيوانات، حيث أعطاني النحل الموجود هناك بعض العسل، ورأيت بعد ذلك جنة الإنسان، حيث سمعت موسيقى رائعة، لا تزال عالقة في ذهني.
لم يكن لدى (كريس) قبل هذه التجربة اهتمام كبير بالموسيقى، لكن أمه جلبت له بعد هذه الحادثة، آلة البيانو، علم نفسه العزف عليها، كي يردد عزف ذلك اللحن السماوي الذي سمعه أثناء تلك التجربة.
لقد رأى كريس شيئًا يعتقد أنه كان شيئًا حقيقيًا، وهو قوس قزح داخل المعكرونة، إنها رؤية فريدة من نوعها، إذ لا يمكننا أن نعثر على أي مصدر لها في ثقافتنا النفسية، نعم أنا لم أسمع بمثل هذه الرؤية على الإطلاق، لكني واثق تمامًا أنها كانت رؤية حقيقية وصادقة.
لقد كشف (كريس) الحقيقة بتجربته هذه، وهي أمر نموذجي لطفل في مثل هذا العمر، فقد برهن على صدق تجربته، لقد حمل برسالة من العالم الآخر، تقول:
(عليك أن تقول للآخرين، ليس عليهم أن يخشوا الموت).
هل أن هذه التجارب هي حقًّا تجارب اقتراب من الموت، أم أنها نتيجة طبيعية لعمل الدماغ عند تخطيه الحد الفاصل بين الموت والحياة، أو أنها نتيجة للاختلال الوظيفي، بسبب أنواع معينة من العقاقير، أو نوع من الهلوسة سببتها الضغوط النفسية للموت، وربما بسبب نقص كمية الأوكسجين التي تصل إلى الدماغ؟ إن هذه التجارب تتضمن إدراكات حسية لحقائق أكثر واقعية [٢] من حياتنا الحالية، حيث يتضمن هذا الواقع وجود الإله المحب.
إن استمرار الوعي بعد الموت يتجلى لنا بوضوح، وإن ثبت لنا أن هذه التجارب حقيقية، فسيكون من الواضح لنا أن الوجود الإلهي والحقائق الروحية، هما حقيقة واقعية وأنهما وجهتنا بعد الموت.
سوف تكون كل الاتجاهات الروحية المعاصرة الأخرى، كمخاطبة الموتى وتجارب الاقتراب من الموت المشتركة حقيقية أيضًا، إذا ما سلمنا بصدق هذه التجارب.
البحوث السريرية:
قمنا بدراسة لهذه الظاهرة في مشفى (سياتل) للأطفال وكان عدد الأطفال الذين حدثت معهم هذه التجارب ٢٤ من مجموع ٢٦، مصابًا بأمراض حرجة وخطيرة.
لقد أفاد هؤلاء، بأنهم كانوا واعين أثناء حدوث التجربة، وقد رأوا بعض الأشياء كالنور الذي يفيض بالحب، والنور الذي يحمل على الأشياء الطيبة.
كذلك قمنا بدراسة مئة حالة مرضية لأطفال كانوا يعالجون بالعقاقير الطبية، وقد حصلت لهم حالة نقص في الأوكسجين الذي يفترض وصوله إلى أدمغتهم، حينما كانوا في ردهة العناية المركزة، وحين غلب علينا الظن أنهم قد ماتوا، لكن لم يخبرنا أي أحد منهم أنه كان واعيًا لما يدور حوله أو رأى تجربة روحية.
وجد الدكتور مايكل سابوم Michael Sabom، الأخصائي بأمراض القلب، أن نسبة ٤٣% من المرضى الذين أصيبوا بسكتة قلبية، حدثت معهم تجارب اقتراب من الموت.
وأن المرضى الذين يحتاجون إلى حالة معقدة من الإنعاش، هم أكثر احتمالاً من غيرهم في رؤية مثل هذه التجارب. كما لاحظ أيضًا أن هؤلاء المرضى يصفون وبشكل دقيق ومتواتر، عملية إعادتهم إلى الحياة بكل تفاصيلها، وعلى النقيض من ذلك فإن مجموعة من المرضى الذين أصيبوا بالسكتة القلبية لم يتمكنوا من وصف عملية الإنعاش هذه.
القصص:
لقد بحثت العديد من القصص التي تؤكد على صحة عمل وظائف الدماغ، حتى بعد عبور الحد الفاصل بين الموت والحياة.
وسأروي لكم قصة المريضة (أولغا) وهي امرأة تبلغ الثالثة والستين من العمر، وكانت تنتظر عملية زرع القلب، بسبب التلف الحاصل في الأنسجة القلبية.
لقد استدعيت هذه المرأة إلى مركز جراحة القلب في جامعة كاليفورنيا، لإجراء العملية الجراحية، وكان جميع أفراد عائلتها قد حضروا معها وبقي زوج ابنتها في البيت.
رغم نجاح عملية الزرع، توقف قلبها الجديد عن الخفقان في تمام الساعة الثانية والربع بعد الظهر، واحتاج الأطباء إلى ثلاث ساعات لإنعاشها، وتم إخبار أفراد أسرتها أن العملية قد نجحت من دون ذكر أية تفاصيل أخرى، فاتصلوا بدورهم بزوج ابنتها وأخبروه بالأنباء الطيبة.
وفي الساعة الثانية والربع بعد الظهر، أي في نفس الوقت الذي توقف فيه قلب المرأة عن الخفقان، استيقظ زوج ابنتها من نومه، ليراها تقف عند قدميه، فأخبرته أن لا يقلق عليها وأنها سوف تكون بخير، وطلبت منه أن يقول ذلك لزوجته (ابنتها).
دون هذه الرسالة على ورقة وعاد إلى نومه.
"لاحقًا وبعد أن استعادت أولغا وعيها، كانت أول جملة نطقت بها:
"هل وصلتكم الرسالة؟"
إن هذه القصة تظهر لنا تجربة الاقتراب من الموت، على أنها عودة إلى الوعي عند بلوغ الحد الفاصل بين الموت والحياة.
كانت قادرة على التخاطر مع زوج ابنتها عندما كانت غائبة عن الوعي وبينما كان هو نائم.
قمنا أنا والدكتور (باول بيري Paul Perry) بدراسة وبحث لهذه القصة، بكل تفاصيلها التي حققنا فيها بموضوعية، ورأينا الرسالة التي كتبها زوج ابنتها. إن مثل هذه القصص لا تزال توثق ومنذ مئة عام، حيث يحتوي كتاب (مايرز Myers) على الكثير منها[٣]، "الشخصية الإنسانية وخلودها بعد الموت الجسدي"
القصص ليست كافية:
إن تلك القصص على أية حال ليست كافية، فهي تقنع أولئك الذين شهدوها فقط، وستفقد قوتها عندما تنتقل من شخص إلى آخر.
لقد قمت بتوثيق عشرات القصص من هذا النوع، لكنها لا تقنع أي مشكك بحقيقة تجارب الاقتراب من الموت.
البحث التجريبي:
يطالب العلم بأدلة حاسمة، وتتكرر بتكرار البحث التجريبي، فلقد اعتقد جيم وينيري Jim Whennery من معهد (وارفار) الوطني، بأنه يدرس تأثير الجاذبية على الطيارين، ولم يكن يعرف أنه سيحقق تقدمًا للدراسات التي تبحث في وجود الوعي خارج الجسد، من خلال تقديمه للأدلة التجريبية، التي تبرهن على أن تجارب الاقتراب من الموت هي تجارب حقيقية.
فعندما يوضع الطيارين داخل جهاز ضخم للطرد المركزي، حيث يدار بسرعة هائلة، يفقد أولئك الطيارون وعيهم وتصلهم نوبة من المرض، إذ يفقدون قدرتهم على التحكم بعضلاتهم، عندما يتوقف الدم عن التدفق إلى الدماغ.
عند هذه المرحلة يعودون إلى الوعي، ويرون أحلامًا خيالية، كما يدعوها الدكتور وينيري Whennery، إن هذه الأحلام الخيالية تشبه تجارب الاقتراب من الموت، إذ تتضمن هذه الأحلام غالبًا شعورًا بالانفصال عن الجسم الفيزيائي، والسفر إلى السواحل الرملية حيث تتعرض أجسادهم إلى الشمس، لقد أفاد الطيارون أن الموت شيء ممتع.
ليست فقط عند الموت:
لا تحصل هذه التجارب فقط بسبب الاختلال الوظيفي في الدماغ عند الموت، فلقد نشرت جريدة (نادي الألب)، عام ١٨٠٠، قصصًا لثلاثين متسلق للجبال من الذين سقطوا من أماكن مرتفعة ثم عاشوا رغم ذلك، إذ كانوا قد رووا كيف حدثت لهم تجربة الخروج من الجسد ورأوا عالمًا آخر كما رأوا استعراضًا كاملاً لحياتهم، رغم أنهم سمعوا صوت ارتطام أجسامهم بالأرض.
كما أفادت الأخصائية بأمراض الأطفال دايان كومب Dianne Komp، أن العديد من الأطفال حدثت لهم تجارب اقتراب من الموت، دون وجود دليل على حصول أي خلل في الدماغ، وغالبًا ما كانت تجاربهم متضمنة صلوات ورؤى.
وفي عام ١٩٦٧، نشرت الصحف الأمريكية المختصة بالعلوم النفسية، أن اثنين من عمال المناجم، علقوا داخل أحد المناجم لعدة أيام، وكانوا يحصلون على الماء والطعام المناسب بالرغم من عدم حدوث أي تجربة اقتراب من الموت.. لقد قالوا أن عالمًا روحانيًا قد فتح أمامهم في الأنفاق كما رأوا عاملاً ثالثًا، بدا لهم أنه حقًّا قد ساهم في إنقاذهم، إلا أن جميع تلك الظواهر اختفت عندما تم إنقاذهم.
واقعية هذه التجارب:
إن هذه التجارب ليست بعيدة عن الواقعية وهي ليست تحريفًا للوقت والمكان، إن نقص الأوكسجين أو استخدام نوع معين من العقاقير يعتبر سببًا لحدوث ظاهرة الهلوسة حيث ترى الصور المشوهة للجسم وعلى النقيض من ذلك فإن هذه التجارب تتضمن نوعًا من الإدراك الحسي لحقائق سامية عدة.
فلقد أخبرنا أحد الأطفال، أن أحد الملائكة أخذ بيده وجعله يشعر بالأمان، عندما كان يحاول إنقاذه من الاختناق بسبب الغرق.
وقال هذا الطفل، بأنه كان يدرك كل ما حصل له، إلا أنه لاحظ وببساطة أشياء اعتيادية لم يكن يدركها في أوقات أخرى في حياته الطبيعية.
في حين صرح الأخصائي النفسي الألماني ميشيل سكروتر Michael Schroter، في استعراض شامل لجميع التجارب الموثقة، بأنها نتيجة مرض نفسي أو اضطراب وظيفي في الدماغ.
ليس هناك ما نخشاه من هذه التجارب:
يمكن لمثل هذه التجارب أن تحدث للأطفال، الذين لم يعرفوا الخوف بعد من فكرة الموت، كالرضع الذين لا يملكون آلية نظام الدفاع الداخلي ضد فكرة الموت.
فقد صرح أحد الأطباء العاملين في مشفى ماسوشيتس العام، بأن طفلة لم يتجاوز عمرها الثمانية أشهر، حدثت لها تجربة اقتراب من الموت بسبب فشل كلوي حدث لها، وعندما استطاعت الكلام في السنة الثانية من العمر، أخبرت والديها عن ذهابها في نفق رأت فيه نورًا ساطعًا.
وأفاد العالم النفساني كابارد تويلوGabbaed Twemlow، أن طفلاً في الشهر التاسع والعشرين من العمر، كان على وشك الموت بسبب صعقة كهربائية.
أخبرنا أنه كان في غرفة بصحبة رجل لطيف، وكانت الأنوار تسطع من سقف الغرفة، وسأله عما إذا كان يريد العودة إلى البيت أو البقاء للعب معه.
يوضح لنا الطب التقليدي أنه ليس هناك أي وجود لإدراك حسي، وإنما هلوسة تحصل بسبب الإنتعاشة القصيرة للدماغ الميت.
تمكن الباحث الروسي فلاديمير نيجوفسكي Vladimir Negovsky، من دراسة مئات الحالات مثل هذه لجنود كانوا على وشك الموت أثناء المعارك، ليصل إلى الاستنتاج القائل، بأن مختلف الناس ومن مختلف الأقطار يستذكرون نفس الرؤى المتشابهة التي شاهدوها وهم في حالة اقتراب من الموت، أو أثناء مرحلة الإنعاش والتنفس الاصطناعي، وهي لا تعني أن هناك وجودًا واقعيًا للحياة بعد الموت. إنها فقط توضح لنا ديناميكية الدماغ عند الموت."
إن إطلاق مصطلح الهلوسة على تجارب الاقتراب من الموت يشير إلى عدم وجود إدراك حسي لحقائق من عالم آخر، لكن ذلك لا يعني عدم وجود سبب يدفعنا لعدم الأيمان بوجود مثل هذه الحقائق.
الحقائق الكونية:
قمت مؤخرًا بمناقشة، بعض العلماء المتخصصين في الفيزياء النظرية في المعهد الوطني لاستكشاف العلوم. لقد أوضحوا لي أن هناك حقيقة ينص عليها العلم، وهي أن الكون مؤلف من جسيمات متناهية الصغر وجميعها تؤلف النواة، وتشكل هذه الجسيمات أشكالاً عديدة للطاقة، وأن لجميع هذه الجسيمات والتي هي العناصر الأساسية في بناء الكون، جميعها لها نظيران على الأقل، وهذه من الحقائق المسلم بها علميًّا.
إن هذه الجسيمات لا تدوم في الوجود سوى أجزاء من عشر الثانية، وبها تشكل العناصر الأساسية لبناء الكون، فسيوجد على الأقل ثلاثة أكوان ممكنة تتعايش معًا تشكلها تلك الجسيمات الصغيرة ونظرائها.
وعلاوة على ذلك، فإن هناك إمكانية نظرية لوجود كون يدعى (نقطة أوميغا)، وهذا هو السبب الذي دعا عالمًا فيزيائيًا مثل ارنست شرودنكر Ernest Schroedir إلى القول، "إذا لم تبهرك الفيزياء الكمية فإنك لن تفهمها".
وربما استطاع أولف سوينسن Olaf Swenson أن يرى هذا العالم، العالم اللازمكاني عالم أوميغا Omega، عندما أوشك على الموت، بعد أن أفسد عمليته لاستئصال اللوزتين، وهو في سن الرابعة عشر. حيث قال: (فجأة شعرت بنفسي وأنا أتدحرج داخل كرة، في عالم آخر، لقد سحبتني قوة ما، عبر حواجز رائعة لقد أصبحت في الجانب الآخر، وأدركت أن الحد الفاصل بين الموت والحياة، هو إبداع غريب لعقولنا وكان ذلك الجانب حقيقيًا أكثر من حياتنا التافهة. [٤]
لقد شعر أولف أنه يطير في الكون دون وجود أية حدود (كان لدي الفهم الكامل للأشياء، لقد وصلت إلى نقطة العدم، حيث اللون البرتقالي، وقلت في نفسي، عندما شعرت بأني قد بدأت أسحب إلى جسمي… رجاءً دعوني أتذكر هذه النظرية الجديدة للنسبية.
من المؤكد أن المعلومات التي حصل عليها (أولف)، خلال تجربته هذه كانت معلومات حقيقية، إذ استطاع أن يحصل على أكثر من براءة اختراع في الكيمياء الجزيئية، وهي جميعها مستقاة من تلك المعلومات.
إلى القمر:
عندما توفي الطفل (تود) بعد سقوطه في بركة السباحة، حدثت له صحوة الموت، فالتفت إلى والدته "القمر.. القمر... أنا على سفينة فضائية إلى القمر."
سألتني أمه إن كان يهلوس، فأجبتها، بأن أكثر الإجابات علمية تلك التي تخبرك أن ابنك أراد بذلك أن تشاركيه في تجربته وهو يموت.
كان ذلك مهمًا جدًا لهذه الأم، لأنه خفف من أحزانها، فرؤيتها لابنها ساعة موته، أفهمتها أنه سيذهب إلى مكان ما بعد الموت. إن لمثل هذه الرؤى والأحلام تأثير هائل يساعد على الشفاء، لكن مجتمعنا يقلل من أهميتها كتجارب ويعتبرها نتاج خلل وظيفي في الدماغ.
إن هذه التجارب حقيقية، مثل الإدراكات الحقيقية لحقائق إنسانية، ليس علينا سوى الاستماع إليها وفهمها، وهي غالبًا ما تحتوي على البذور التي نحتاجها لعلاج أحزاننا ولفهم الموت.
توفير كلفة العناية الصحية أمر حقيقي:
غالبًا ما يسألني زملائي من الأطباء، عن جدوى دراسة تجارب الاقتراب من الموت، فكنت أجيبهم بالطريقة التي يفهمونها.. إذا كنا نفهم تلك التجارب من وجهة نظر علمية على أنها حقيقية، فإن ذلك يعني أنها عمل طبيعي للدماغ الإنساني عند الموت، ويمكننا عند ذلك توفير ٢٠% على الأقل من تكاليف العناية الصحية. إن هذه المبالغ ننفقها ببساطة في الأيام الأخيرة من حياة المرضى، حيث نستخدم فيها التقنية الطبية الباهظة الكلفة كي نقلل من مخاوفنا من الموت، على نفقة الكبرياء البشري.
إن دراسة هذه التجارب على أقل تقدير، تعلمنا بأن لا نخاف الموت، فرؤية الأشخاص الذين نحبهم تتكرر دائمًا عند الموت، كذلك نرى فيها عدم الإحساس بالألم في الجسم، لقد قال أحد الأطفال، "بينما كان الأطباء يغرزون جسمي بالأُبر، كنت أشعر بالأمان مع الله."
إن لهذه التجارب القدرة على أن تكون ثقافة عامة بنتائج شفاء عالية للمجتمع من خوفه من الموت، كما أتوقع بأننا عندما نقوم بدراسة تلك التجارب على أنها تجارب موت، سوف نستغني عن الاستخدام المفرط للأدوية غير الضرورية والمدمرة عند الموت.
مراجعة وتدقيق: أحمد حسن، السودان.
ترجمة: قتيبة صالح فنجان
مراجعة وتدقيق: أحمد حسن، السودان.
[١] ميلفن مورس.
[٢] إن المعنى الأدق لهذه العبارة، هو أن كل شيء هناك أكثر اقترابًا من الحقيقة.. ونجد هذا المعنى في تاسوعات أفلاطون إذ أننا كلما اقتربنا من الله وتجردنا من هذا العالم المادي، فإننا نترك الوهم خلفنا ونعبر عوالمًا يكون كل واحد منها أشد حقيقة وظهورًا من العالم الذي قبله، حتى نصل إلى الله، الحق المطلق الذي لا لبس فيه ولا وهم. (المترجم)
[٣] فردريك مايرز أستاذ جامعي بريطاني ومن المؤسسين الأوائل للجمعية الروحية، ألف العديد من الكتب الروحية والفلسفية أهمها (الشخصية الإنسانية وخلودها بعد الموت الجسدي).
[٤] تؤكد معظم التجارب على حقيقة الوجود الآخر، وتضاعف الشعور بالسعادة ولذائذ الإدراكات العقلية، والشعور بالتحرر، من الرباط المادي الذي يقيد النفس الإنسانية، وتسيطر على معظم أصحاب هذه التجارب رغبة عارمة في البقاء في ذلك العالم، وغالبًا ما يكرهون على العودة، فيظلون بعد عودتهم في حالة شوق وترقب لساعة الموت التي تحررهم من القيود الجسدية وتعيدهم إلى العالم الذي زاروه، رغم أنهم لم يلبثوا على سواحل تلك العوالم سوى لحظات لم يتسنى لهم رؤية الكثير من خصوصياتها، وقد ورد في الكثير من مقالات الفلاسفة من كل أنحاء العالم وعبر العصور، وصف الروح داخل الجسد، كالطير داخل القفص، وقد ورد هذا المعنى في الرسالة الثالثة عشر من رسائل إخوان الصفا ما نصه: "ثم إن فارقته على بصيرة منها ومن أمرها وقد عرفت جوهرها وتصورت ذاتها وتبينت أمر عالمها ومبدئها ومعادها، كارهة للكون مع الجسد، بقيت مفارقة واستقلت بذاتها واستغنت بجوهرها عن التعلق بالأجسام، فعند ذلك ترتقي إلى الملأ الأعلى وتدخل في زمر الملائكة وتشاهد تلك الأمور الروحانية وتعاين تلك الصور النورانية التي لا تدركها بالحواس الخمس ولا تتصور في الأوهام البشرية."